هذا وقد أطلق القرآن لفظ (الإيمان) على العمل في بعض الآيات ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣]، والإيمان هنا يراد به الصلاة، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى هذا، بل إن الصحابة فهموا هذا وتضافرت الروايات عنهم في سبب نزول الآية.
روى إمام المفسرين ابن جرير الطبري بسنده عن قتادة، قال: (كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص، صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نهي نبي الله - ﷺ -، وصلى نبي الله - ﷺ - بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرًا..
ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام.. فقال في ذلك قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، لقد اشتاق الرجل إلى مولده، قال الله عز وجل: ﴿قُل للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢]، فقال أناس -لما صُرفت القبلة نحو البيت الحرام-: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل الله: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]، ثم أورد الإمام الطبري إحدى عشرة رواية عن الصحابة والتابعين في أن المراد بالإيمان في الآية الصلاة، وأنها نزلت جوابًا على تساؤل لبعض الصحابة عن مصير الصلاة التي صلوها إلى بيت المقدس، وتساؤل آخرين منهم عن مصير صلاة إخوانهم إلى بيت المقدس الذين ماتوا قبل تحويل القبلة إلى الكعبة(١).

(١) انظر: تفسير الطبري (٣/١٦٧-١٦٩).


الصفحة التالية
Icon