فمعنى قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ على ما تضافرت به الرواية من أنه الصلاة، وما كان الله ليضيع تصديق رسول الله - ﷺ - بصلاتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره، لأن ذلك كان منكم تصديقًا لرسولي، واتباعًا لأمري، وطاعة منكم لي) (١).
وقد التفت الإمام الطبري إلى الربط بين الإيمان والصلاة، ولاحظ وجود التصديق في ممارسة الصلاة والتوجه فيها إلى بيت المقدس ثم إلى الكعبة المشرفة، وهذه اللفتة من الطبري لطيفة، وهذا الربط منه رائع، يشير إلى موهبته الفذة في التفسير واللغة وغيرهما(٢).
ومن الآيات التي أطلقت كلمة الإيمان على الأعمال قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩].
ذهبت طائفة من المفسرين إلى أن المراد بالإيمان هنا الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا.. وقد أورد الإمام الطبري أقوال مجموعة من التابعين في هذا المعنى، منها قول ابن جريج: (يهديهم ربهم بإيمانهم قال: يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة، يعارض صاحبه ويبشره بكل خير، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك! فيجعل له نورًا من بين يديه حتى يدخله الجنة، فذلك قوله: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة، فيلازم صاحبه ويلازمه حتى يقذفه في النار) (٣). وهناك آيات أخرى أطلقت على الإيمان عبارات أخرى تشير إلى العمل وتتضمنه، أورد الإمام البخاري في صحيحه بعضها.
منها قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ﴾ [الفرقان: ٧٧].
قال البخاري: (دعاؤكم: إيمانكم... ومعنى الدعاء في اللغة: (الإيمان).

(١) المصدر نفسه (٣/١٦٩).
(٢) في ظلال الإيمان، د. الخالدي، ص٢٦.
(٣) تفسير الطبري (١٥/٢٨).


الصفحة التالية
Icon