٣- إن استشهاد الرجل الذي جاء من أقصى المدينة نصر له ولدعوة التوحيد حيث استطاع أن يودع في قلوب الناس من المعاني الكبيرة، ويحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة، بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي كتبها بدمه، فأصبحت حافزًا محركًا لأهل الإيمان على مر الدهور ومر العصور منذ نزول القرآن الكريم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،
إن قتله في سبيل دعوة التوحيد كان سببًا في فوزه الأبدي بدخول الجنة ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ [يس: ٢٦].
لقد تمكن التوحيد في قلبه فجعله حريصًا على هداية قومه، فلم يحمل حقدًا ولا ضغينة مع تعذيب قومه له وقتله، وهذا انتصار عظيم على النفس البشرية: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ - بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: ٢٦، ٢٧].
إن وصول دعوة التوحيد إلى أقصى المدينة دليل على المجهود العظيم الذي بذله المرسلون وتدل على المعاني العظيمة من الصدق والإخلاص التي تمكنت في نفوسهم من أجل دعوة التوحيد.
٤- إن انتصارات هؤلاء الرسل وهذا الداعية الذي جاء من أقصى المدينة توجت بهلاك القوم الذين كذبوا بدعوة المرسلين ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُنْدٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ - إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٨، ٢٩].
إن الدعاة إلى الله في أمسِّ الحاجة إلى أن يقفوا مع قصة أصحاب القرية، ويتأملوا ويتفكروا في أبعادها ونهاياتها. إنني أريد أن أقف مع الرجل المؤمن الذي تمكن الإيمان في قلبه، ماذا فعل في نفسه ذلك الإيمان العظيم، لقد وفق سيد قطب رحمه الله في تحليل نفسية هذا النموذج الطيب والرجل المؤمن المستجيب لدعوة الرسل، وحلل نفسيته الخيرة، فقال: إنها استجابة الفطرة السليمة لدعوة الحق المستقيمة، فيها الصدق والبساطة، والحرارة، واستقامة الإدراك، وتلبية الإيقاع القوي للحق المبين.


الصفحة التالية
Icon