لهذا كله ولأكثر منه، أحب المؤمنون ربهم حبًا لا يقاس بغيره مما هو دونه، فقدموا أنفسهم وأهليهم وأموالهم في سبيل الله، بلا تردد أو منة، بل اعتبروا ذلك تفضلاً من الله عليهم، أن فتح لهم باب الجهاد والاستشهاد في سبيله ويسر لهم أسبابه، فقاموا بذلك الواجب خير قيام(١).
إن الإيمان الحقيقي بالله، هو الذي ينبعث منه الحب في الله الذي يحرك إرادة القلب، ويوجهها إلى المحبوبات وترك المحظورات، وكلما ازداد الإيمان بالله في نفس المؤمن كلما ازدادت المحبة في الله لديه قوة وصلابة، وتحول المر حلوًا، والكدر صفاء، والألم شفاء، والنصرة جهادًا، والابتلاء رحمة، والإحجام عن نصرة أهل الحق خيانة، وتراجعًا عن الإسلام.
فالحب في الله أخص من الرضا وأعمق أثرًا حيث إنه الضمان الوحيد لترابط المجتمع واحترام حقوقه(٢)، ولذلك ورد في الحديث الشريف: « لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»(٣).
فحقيقة المحبة في الله لا تتم إلا بموافقة الباري جل وعلا في حب ما يحب
وبغض ما يبغض(٤).
ولذلك فأكمل الخلق وأفضلهم وأعلاهم إيمانًا من كان أقربهم إلى الله في محبته، وأقواهم في طاعته، وأتمهم عبودية له(٥).
وهذه الصفات تستلزم محبة الرسول - ﷺ - ومحبة ما جاء به من عند الله، ومحبة المؤمنين بهذا الدين، وإيثارهم على النفس بالمال والنصرة والتأييد والانضمام في حزبهم حيث إنهم حزب الله من انضم إلى حزب الله فقد أفلح في دنياه وأخراه.

(١) انظر: كتاب الإيمان وأثره في الحياة، د. القرضاوي، ص٥-١٢.
(٢) انظر: الموالاة والمعاداة للجلعود (١/٢٤٥).
(٣) رواه مسلم، كتاب الإيمان، بيان لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (١/٧٤) رقم ٩٣.
(٤) انظر: مجموعة التوحيد، ص ٤٢٢-٤٢٣.
(٥) انظر: مجموعة التوحيد، ص ٤٢٢، ٤٢٣.


الصفحة التالية
Icon