يقول سيد قطب رحمه الله: (والعمل الصالح هو الثمرة الطيبة للإيمان، والحركة الذاتية التي تبدأ في ذات اللحظة التي تستقر فيها حقيقة الإيمان في القلب، فالإيمان حقيقة إيجابية متحركة، ما إن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخارج في صورة عمل صالح.. هذا هو الإيمان الإسلامي.. لا يمكن أن يظل خامدًا لا يتحرك، كامنًا لا يتبدى في صورة حية خارج ذات المؤمن.
فإن لم يتحرك هذه الحركة الطبيعية فهو مزيف أو ميت، شأنه شأن الزهرة لا تُمسك أريجها، فهو ينبعث منها انبعاثًا طبيعيًا، وإلا فهو غير موجود.
ومن هنا قيمة الإيمان.. إنه حركة وعمل وبناء وتعمير.. يتجه إلى الله.. إنه ليس انكماشًا وسلبية وانزواء في مكنونات الضمير.. وليس مجرد النوايا الطيبة التي لا تتمثل في حركة، وهذه طبيعة الإسلام البارزة التي تجعل منه قوة كبرى في صميم الحياة(١).
إن الإيمان قوة دافعة وطاقة مجمعة، فما كادت حقيقته تستقر في القلب حتى تتحرك لتعمل، ولتحقق ذاتها في الواقع، ولتوائم بين صورتها المضمرة وصورتها الظاهرة، كما أنها تستولي على مصادر الحركة في الكائن البشري كلها، وتدفعها في الطريق.
«ذلك سر قوة العقيدة في النفس، وسر قوة النفس بالعقيدة، سر تلك الخوارق التي صنعتها العقيدة في الأرض، وما تزال في كل يوم تصنعها الخوارق التي تغير وجه الحياة من يوم إلى يوم، وتدفع بالفرد وتدفع بالجماعة إلى التضحية بالعمر الفاني المحدود في سبيل الحياة الكبرى التي لا تفنى، وتقف بالفرد القليل الضئيل أمام قوى السلطان وقوى المال وقوى الحديد والنار، فإذا هي كلها تنهزم أمام العقيدة الدافعة في روح فرد المؤمن، وما هو الفرد الفاني المحدود الذي هزم تلك القوى جميعًا، ولكنها القوى الكبرى الهائلة التي استمدت منها تلك الروح، والينبوع المتفجر الذي لا ينضب ولا ينحسر ولا يضعف»(٢).

(١) في ظلال القرآن (٦/٣٩٦٧، ٣٩٦٦).
(٢) انظر: في ظلال القرآن (٦/٣٣٥٣).


الصفحة التالية
Icon