«تلك الخوارق التي تأتي بها العقيدة الدينية في حياة الأفراد وفي حياة الجماعات لا تقوم على خرافة غامضة، ولا تعتمد على التهويل والرؤى، إنها تقوم على أسباب مدركة وعلى قواعد ثابتة، إن العقيدة الدينية فكرة كلية تربط الإنسان بقوى الكون الظاهرة والخصبة، وتثبت روحه بالثقة والطمأنينة، وتمنحه القدرة على مواجهة القوى الزائلة والأوضاع الباطلة، بقوة اليقين في النصر، وقوة الثقة في الله، وهي تفسر للفرد علاقاته بما حوله من الناس والأحداث والأشياء، وتوضح له غايته واتجاهه وطريقه، وتجمع القوى والطاقات حول محور واحد، وتوجيهها في اتجاه واحد، تمضي إليه مستنيرة الهدف، في قوة وفي ثقة وفي يقين».
ويضاعف قوتها أنها تمضي مع الخط الثابت الذي يمضي فيه الكون كله ظاهرة وخافية، وأن كل ما في الكون من قوى مكنونة تتجه اتجاهًا إيمانيًا، فيلتقي المؤمن في طريقه، وينضم إلى زحفها الهائل لتغليب الحق على الباطل مهما يكن للباطل من قوة ظاهرة لها في العيون بريق»(١).
وبهذا لعلي أكون قد أوضحت حقيقة الإيمان التي نسعى لإيجادها في أفراد الأمة والجماعة المسلمة لنقطع خطوة نحو التمكين المنشود.
المبحث الثاني : تحقيق العبادة
أولاً: معنى العبادة في اللغة والشرع:
أ- في اللغة: العبادة والعبدية والعبودية: الطاعة(٢).
وفي لسان العرب: أصل العبودية: الخضوع والتذلل.
والتعبد: التنسك، والعبادة: الطاعة.
والتعبد: التذلل، والتعبيد: التذليل.
بعير معبد: مذلل، وطريق معبد: مسلوك مذلل(٣).
ويرى أبو الأعلى المودوي في معنى العبادة استنادًا إلى الاستعمال اللغوي لمادة (ع ب د) أن أصل معنى العبادة هو الإذعان الكلي، والخضوع الكامل والطاعة المطلقة(٤).

(١) المصدر نفسه (٦/٣٣٥٣).
(٢) القاموس المحيط كتاب (الدال)، فصل (العين) ٣٧٨.
(٣) لسان العرب، كتاب الدال، فصل العين المهملة ٣/٢٧١.
(٤) المصطلحات الأربعة في القرآن للمودودي، ص٩٧.


الصفحة التالية
Icon