وبهذا التعريف الجامع لا يمكن أن يخرج أي شيء من نشاطات الإنسان وأعماله، سواء كان ذلك في العبادات المحضة، أو في المعاملات المشروعة، أو في العادات التي طبع الإنسان على فعلها.
أما في العبادات والمعاملات المشروعة فإنها مما يحبه الله ويرضاه، وهذا أمره الشرعي الدائر بين الأحكام الخمسة التي اصطلح عليها الفقهاء وهي: (الواجب، والمحرم، والمستحب، والمكروه، والمباح) أما في العادات فالذي لم يحدد منها بأوامر الشرع، ولم يتقيد بأحكامه على وجه الخصوص، فإنه لا يخرج عن كونه داخلاً تحت عمومات الشرع باعتبار عبودية الإنسان في كل أحواله لله سبحانه، وباعتبار أن (العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله، أو فيما يكرهه، فلهذا أيضًا جاءت الشريعة بلزوم عادات السابقين في أقوالهم وأعمالهم وكراهة الخروج عنها إلى غيرها من غير حاجة) (١).
وإن كان ينبغي لنا هنا الإشارة إلى أن الأصل في العبادات المحضة المنع حتى يرد ما يدل على مشروعيتها، وأن أصل العادات العفو حتى يرد ما يدل على منعها، وذلك مبني على (أن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينه، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله، أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لابد أن يكون مأمورًا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به، كيف يحكم عليه بأنه عبادة؟!.
وما لم يثبت من العبادات أنه منهي عنه، كيف يحكم عليه أنه محظور؟ والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرم) (٢).

(١) اقتضاء الصراط المستقيم (١/٣٩٩).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٩/١١٦-١١٧).


الصفحة التالية
Icon