ولنأخذ مثالاً عباديًا لتثبيت معنى التوحيد، وإجلال الله تعالى، وهو (الأذان) وقد شرع بدخول أوقات الصلاة المفروضة، فهو يتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، وينادي به منادي المسلمين صوتًا في كل مكان يوجد به تجمع إسلامي، ولو كان أدنى الجمع من المسلمين، بل شرع مع ذلك للمسافر، والمنفرد، ولو كان في بادية لما يمثله من معانٍ عظيمة ليس مجرد الإعلام بدخول الوقت.
إن المؤذن حين ينادي بصوته الأعلى: (الله أكبر الله أكبر) ثم يكررها، يطلب شرعًا أن يردده معه كل مسلم ومسلمة حين يسمعون هذا القول الأجل، لينسكب في مشاعر الجميع وفي أوقات متكررة متقاربة، معنى الكبرياء المطلق لله رب العالمين، وأنه تعالى فوق كل شيء وأكبر من كل شيء، فينبغي أن يعتز به وحده، ويلوذ بحماه وكنفه، ويستعلي فوق أعناق الطواغيت والجبارين بهذا النداء الجهير، الذي أراد الله عز وجل أن يتواطأ عليه المجتمع كله، وأن يظل حتى المنفرد على صلة دائمة به.
فإذا تقرر هذا المعنى عاد النداء الأجل ليملأ الآفاق: (أشهد أن لا إله إلا الله) وهو تذكير يومي بالعهد والميثاق الذي أعطاه العبد لربه بأن لا يعبد ولا يطيع إلا ربه الأكبر، المنفرد بالكبرياء في السموات والأرض.
ثم يأتي الشق الثاني من الشهادة: (أشهد أن محمدًا رسول الله) وهو كما علمت إقرار متكرر أيضًا بالطريق الذي تؤخذ عنه العبادة المشروعة، والتي لا تصح إلا بالتلقي عن الوحي الإلهي الذي جاء به المعصوم - ﷺ -.
ثم تأتي رابعًا: الدعوة إلى الصلاة نفسها في جملتين فقط: (حي على الصلاة، حي على الصلاة) لأن الأذان كما قلنا أبعد مدى، وأشمل آثارًا.
ثم تأتي خامسًا: الدعوة العامة إلى الصلاح المطلق، المتمثل في الاستجابة لهذا الدين الإلهي الأغر، ومثله وتعاليمه، وفي مقدمتها الصلاة بداهة(١).