ولذلك يعود الشارع بالمؤذن إلى نقطة البدء ليكبر في الختام التأكيد على تفرده تعالى بالكبرياء، وإعلان التوحيد بصيغة الإقرار والإثبات بعد صيغة الشهادة السابقة (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله) معنى هذا أن الأذان وحده يجري على ألسنة المؤمنين، ويسكب في ضمائرهم، ويغرس في حياتهم ووجدانهم إفراد الله تعالى بالكبرياء (ثلاثين) مرة يوميًا، وإفراده تعالى بصفة الألوهية الذي تفرده بالعبادة والطاعة «خمس عشرة» مرة، وهو نداء لا يتقيد بحدود معبد، أو مسجد، وإنما ينطلق ليدخل كل بيت، ويصافح كل سمع، ويطرق كل قلب يريد الهدى.
وإذا كان هذا هدف الوسيلة في تقرير الأصول العليا فإن القصد الذي تؤدي إليه (وهي الصلاة) أعظم شأنًا، وأتم مظهرًا، فقد فرضها الله على كل بالغ من الذكور والإناث خمس مرات في اليوم والليلة، وهي تبدأ بالتكبير ويطلب من المصلي تكرار هذه الجملة (الله أكبر) في صلوات الفرض فقط (أربعًا وتسعين مرة) عدا ما يقرع سمعه بعددها من صلوات إمامه إذا صلى جماعة، فضلاً عن السنن الراتبة والنوافل المطلقة وهي أضعاف ذلك.
ثم إن العبد يتلو كتاب ربه في صلاته، ويحني له ظهره راكعًا، ويخر بجبهته ساجدًا، ويناجي مولاه معظمًا، ومسبحًا، وحامدًا، وداعيًا، وليس هناك في الوجود أسمى وأجل من هذه الشعيرة في ربط العبد بهذا السلطان الإلهي، وإلهاب نفسه بمعاني عظمته وسموه(١).
إن الصلاة عندما تؤخذ على وجهها الصحيح -واحة وراحة- يسكن إلى ظلها المؤمن كلما مسه تعب الحياة ولغوبها، وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا - إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا - وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا - إِلاَّ الْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: ١٩-٢٣].
٢- تثبيت القيم الأخلاقية: