فقد جاء المنهاج الرباني في العبادة ليتمم مكارم الأخلاق، ويدعو الناس إلى المثل العليا، والفضائل الكريمة كالصبر، والمثابرة، والسماحة، والسخاء، والصدق، والتي تحقق للإنسان سعادته في الدنيا فضلاً عن الآخرة، وللعبادات بأنواعها مهمة عظيمة في تثبيت هذه الأخلاق، وتدعيمها، وغرسها في نفس المؤمن ووجدانه، (فالصلاة) مثلاً تعود المؤمن الصبر، والدأب، والإخلاص والنظام، حتى تصبح جميعًا خلقًا راسخًا في النفس، فالمسلم النائم حين يقوم من لذة النوم على نداء المؤذن «الصلاة خير من النوم»، وكذلك حين ينسحب من ضجيج الأسواق والبيع والشراء ملبيًا لنداء «حي على الصلاة»، ثم لا يزال دأبه هكذا عبر الساعات، والأيام، والأعوام، فهذا وأمثاله لابد أن تتربى فيهم هذه المعاني الخلقية العالية(١).
و(الزكاة) التي أخذت من معنى الزيادة، والنماء، والتطهير، لها -هي الأخرى- أكبر الأثر في تنقية الخلق من زخم الشح والبخل والإمساك، وفي طبعه بطبائع البذل، والعطاء والسخاء، كذلك تستل صدور المحتاجين، وتبدل به شيئًا من خلق الحب، والمودة، أو على الأقل سلامة الصدور، فتشيع في المجتمع تبعًا لذلك كل علائق التداني والتقارب، وتتداخل صلات الناس بمشاعر الألفة، وإلى مثل هذا يشير قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣].
و(الصوم) له عمله الأساسي في تربية الإرادة الإنسانية، والضمير الحي اليقظ الذي يتعامل على أساس من رقابة الله تعالى له، واطلاعه عليه، فضلاً عن غرس خليقة الصبر، والضبط النفسي بالإمساك الطويل عن شهوتي البطن والفرج وبالكف عن
اللغو، والصخب، والقدرة على تغيير عاداته حتى لا يتعود الجمود، أوتستعبده
عاداته وتقاليده(٢).

(١) وسطية القرآن في العبادة والأخلاق والتشريع، ص ٤٢.
(٢) انظر: المنهاج القرآني في التشريع، ص ٤٦٠.


الصفحة التالية
Icon