إن الذنوب التي دون الشرك جعل الله لمغفرتها أسبابًا كثيرة كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة الشافعين، ومن دون ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد، وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات دون التوحيد، ولا تفيده الشدائد والمحن شيئًا.
إن الشرك بالله تمجه وترفضه الفطرة السليمة، ولقد بقى البشر بعد آدم قرونًا طويلة وهم أمة واحدة على التوحيد والهدي، ثم أدخلت عليهم الشياطين الشرور المتنوعة بطرق كثيرة، فكان قوم نوح قد مات منهم أناس صالحون فحزنوا عليهم فجاءهم إبليس وأمرهم أن يصوروا تماثيلهم ليتذكروا أحوالهم، فكان هذا باب الشر العظيم.
فلما مات الذين صوروهم لهذا المعنى خلف من بعدهم خلف قل فيهم العلم واستفزهم الشيطان وأغواهم حتى أوقعهم في الشرك، ثم بعث الله فيهم نوحًا عليه السلام يعرفونه ويعرفون صدقه وأمانته وكمال أخلاقه فقال: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩]. إلا أنهم عصوه وما آمن معه إلا قليل.
إن الله تعالى خلق الناس على فطرة التوحيد ثم استطاعت الشياطين أن تميل بالناس وتنحرف بهم نحو الوثنية المظلمة والشرك العظيم، قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ [البقرة: ٢١٣].
أي: أن الناس كانوا على ملة آدم عليه السلام حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض(١).
وقال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٣٠].

(١) انظر: تفسير ابن كثير (١/٢٥٠).


الصفحة التالية
Icon