ولكن حين تهتز حقيقة التوحيد في النفس ويغشيها الشرك فإن النفس تنحط فتشغلها الأرض، يشغلها المتاع الزائل فتتكالب عليه وتنسى القيم العليا والجهاد من أجل إقامتها وتحقيقها، ويكون جهادها صراعًا خسيسًا على هذا المتاع الزائل يتقاتل من أجله الأفراد والدول والشعوب، وتصبح الحياة البشرية محكومة بقانون الغاب، القوي يأكل الضعيف، والغلبة للقوة لا لصاحب الحق.. وهو الأمر الذي نراه سائدًا في الجاهلية المعاصرة في كل منحى من مناحي الحياة(١). قال تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: ٣١].
٣- القضاء على عزة النفس ووقوع صاحبه في العبودية الذليلة:
إن العزة الحقيقية تستمد من الإيمان بالله وحده، قال تعالى: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨]، ولكن المشرك لا يعرف هذه العزة ولا يتذوقها، إنه عبد؛ ولكنها عبودية ذليلة لأنها ليست عبودية لله، الكريم الرحيم، الذي يُعز عباده بعزته، إنه عبد لبشر مثله يتحكم فيه فيذله، أو عبد لشهواته: شهوة المال أو شهوة الجنس أو شهوة السلطان.. كلها عبودية ذليلة وإن بدت لأول وهلة متاعًا وتمكنًا وتجبرًا في الأرض.
ثم يذهب هذا المتاع الزائل الذي تذل له أعناق الرجال، ويأتي اليوم الذي يقفون فيه موقف الخزي الأكبر أمام العزيز الجبار: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ - ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ - مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ [الشعراء: ٢٠٥-٢٠٧].
٤- تمزيق وحدة النفس البشرية: