فلا شك أن من صفات المتقين أنهم ينتهجون منهج الصحابة رضي الله عنهم، لأنهم أولى الناس بهذه الصفات التي أمرنا الله أن نكون مع أهلها، فقد شهد الله لهم الصدق، وشهد لهم رسوله - ﷺ -، فلا يجوز لأحد أن يلزمهم بشيء، أو يتهمهم بما برأهم الله عز وجل منه ورسوله - ﷺ -، فالصحابة كلهم عدول، وظهرت فيهم من علامات الصدق والإيمان واليقين ما يجعل العاقل يقطع بتعديلهم، فمن تقوى الله عز وجل موالاتهم ومحبتهم ونصرتهم والاحتجاج بإجماعهم، وفهم الكتاب والسنة على منهجهم وطريقتهم، وبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم(١).
٥- يَدَعون ما لا بأس به حذرًا مما به بأس ويتقون الشبهات، إن المتقين يتورعون عن الشبهات وعما يرتابون فيه مما ليس حلالاً بينًا، وذلك أدعى أن يتورعوا عن الحرام البين، ومن اجترأ على الشبهة اجترأ كذلك على الحرام.
ولهذا قال رسول الله - ﷺ -: «إن الحلال بيّن وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» (٢).
ولابد من التنبه لأمر مهم وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله في التقوى والورع، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبهات فإنه لا يحتمل ذلك، بل ينكر عليه، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما لمن سأله من أهل العراق: عن دم البعوض يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين، وسمعت رسول الله - ﷺ - يقول:«هما ريحانتاي من الدنيا» (٣).
(٢) البخاري، كتاب الإيمان، باب: من استبرأ لدينه (١/٢٢) رقم ٢٢.
(٣) البخاري، فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين (٤/٢٦١).