فقد أعد النبي - ﷺ - الرواحل والدليل، واختار الرفيق والمكان الذي سيتوارى فيه - هو وصاحبه - حتى يهدأ الطلب، ويفتر الحماس، وأحاط ذلك كله بما يمكن للبشر من أخذ الحذر، والكتمان، وأسباب الاحتياط، وترك للإرادة الإلهية - بعد ذلك - ما لا حيلة له فيه(١).
وكذلك الأمر بالنسبة لغزوة بدر، وأحد، والأحزاب... وجميع غزواته - ﷺ -
وكل أموره.
وكان - ﷺ - يوجه أصحابه دائما إلى مراعاة هذه السنة الربانية، في أمورهم الدنيوية والأخروية على السواء، ففي أمورهم كان النبي - ﷺ - يرشدهم دائما إلى الأخذ بما يمكن من أسباب للوصول إلى حياة كريمة بعيدا عن ذل السؤال ومهانة العوز والحاجة، روى أبو داود والترمذي عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا من الأنصار أتى النبي - ﷺ - فسأله عطاء، فقال الرسول - ﷺ -: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى. حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه، قال: ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - ﷺ - بيده وقال: من يشتري مني هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال رسول الله - ﷺ -: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه فأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال له: اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فائتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله - ﷺ - عودًا بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال له رسول الله - ﷺ -: هذا خير لك من أن تجئ المسألة نكتة سوداء في وجهك يوم القيامة(٢).

(١) أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة المقبلة، د. القرضاوي، ص١٧، ١٨.
(٢) رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب: ما تجوز فيه المسألة (٢/١٢٠).


الصفحة التالية
Icon