إن أمر التمكين لهذا الدين يحتاج إلى جميع أنواع القوى، على اختلافها وتنوعها، ولذلك اهتم القرآن الكريم اهتماما كبيرا في إرشاد الأمة للأخذ بأسباب القوة وأوجب الله تعالى على الأمة الأخذ بأسبابها، لأن التمكين لهذا الدين طريقه الوصول إلى القوى بمفهومها الشامل، وقد قال الأصوليون: «وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»(١).
إن القرآن الكريم أوجب على أتباعه إعداد القوة بصورة واضحة، قال تعالى:﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾[الأنفال: ٦٠].
شرح الآية الكريمة:
الإعداد: تهيئة الشيء للمستقبل(٢). والضمير في «لهم» راجع إلى الكفار.
وقوله: ﴿مَّا اسْتَطَعْتُم﴾ قال ابن كثير: أي مهما أمكنكم(٣)، وهذا التعبير القرآني يشير إلى أقصى حدود الطاقة، بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها(٤).
والمراد بالقوة هنا: ما يكون سببا لحصول القوة، وذكر الفخر الرازي فيه وجوها:
١- المراد من القوة أنواع الأسلحة.
٢- ورد أن النبي - ﷺ - قرأ الآية الكريمة على المنبر وقال: «ألا إن القوة الرمي» قالها ثلاثا(٥).
٣- قال بعضهم: القوة هي الحصون.
٤- قال أصحاب المعاني: الأولى أن يقال: هذا عام في كل ما يتقوى به على
حرب العدو، وكل ما هو آلة للغزو والجهاد، فهو من جملة القوة، وقوله عليه السلام: «القوة الرمي» لا ينفي كون غير الرمي معتبرا كما أن قوله:

(١) في ظلال القرآن (٢/٩١٩) تفسير آية ٥٤ من سورة المائدة.
(٢) تفسير المنار (٥/٥٣).
(٣) تفسير القرآن العظيم (٢/١٢٢).
(٤) في ظلال القرآن (٢/١٥٥٣).
(٥) مسلم مع شرح النووي، كتاب الجهاد، باب: فضل الرمي (١٣/٦٤).


الصفحة التالية
Icon