ومضى - ﷺ - كذلك يبصرهم ويذكرهم بدورهم ورسالتهم في الأرض، ومنزلتهم ومكانتهم عند الله، وظل - ﷺ - معهم على هذه الحال من التبصير والتذكير حتى انقدح في ذهنهم ما لهم عند الله، وما دورهم، ورسالتهم في الأرض، وتأثرا بتربيته الحميدة تولدت الحماسة والعزيمة في نفوس أصحابه، فانطلقوا عاملين بالليل والنهار بكل ما في وسعهم، وما في طاقتهم دون فتور أو توان، ودون كسل أو ملل، ودون خوف من أحد إلا من الله، ودون طمع في مغنم أو جاه إلا أداء هذا الدور وهذه الرسالة، لتحقيق السعادة في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة(١).
وكان - ﷺ - يحرص على إعداد أصحابه إعدادًا ربانيا وكانت خطواته تتم بكل هدوء وتدرج وسرية، وانصبت أهدافه التربوية على تعليم الكتاب والسنة وتلاوة القرآن الكريم وتطهير النفوس من أمراضها، وإعداد الأفراد لتحمل تكاليف الدعوة والرسالة، وكان شعار هذه المرحلة هو توجيه المولى عز وجل لنبيه - ﷺ - والدعاة من بعده ذلك التوجيه المتمثل في قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨].
فالآية الكريمة تأمر النبي - ﷺ - بأن يصبر على تقصير وأخطاء المستجيبين لدعوته، وأن يصبر على كثرة تساؤلاتهم خاصة إن كانت خاطئة، وأن يصبر على ترددهم في قبول التوجيهات، وأن يجتهد في تصبيرهم على فتنة أعداء الدعوة، وأن يوضح لهم طبيعة طريق الدعوة، وأنها شاقة، وأن لا يغرر مغرر ليبعده عنهم، وأن لا يسمع فيهم منتقصا، ولا يطيع فيهم متكبرا أغفل الله قلبه عن حقيقة الأمور وجوهرها(٢).

(١) انظر: المصدر نفسه، ص٣٧.
(٢) انظر: الطريق إلى جماعة المسلمين، ص١٧٠.


الصفحة التالية
Icon