وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي - ﷺ -: «وجبت». ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: «وجبت». فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ما وجبت؟
قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض»(١).
ومما يعرف به العالم شهادة مشايخه له بالعلم، فقد دأب علماء المسلمين من سلف هذه الأمة ومن تبعهم بإحسان على توريث علومهم، الذين يتبوؤون من بعدهم منازلهم وتصبح لهم الريادة، والإمامة في الأمة، ولا يتصدر هؤلاء التلاميذ حتى يروا إقرار مشايخهم لهم بالعلم، وإذنهم لهم بالتصدر، والإفتاء والتدريس.
قال الإمام مالك - رحمه الله -: (لا ينبغي لرجل يرى نفسه أهلا لشيء حتى
يسأل من كان أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة(٢) ويحيى بن سعيد(٣)
فأمراني بذلك، ولو نهياني لانتهيت) (٤).
وقال: (... ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للتحديث والفتيا جلس، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل، وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه أهلا لذلك جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخًا من أهل العلم أني موضع ذلك) (٥).
هذه بعض الدلائل الدالة على علم العالم، أما المناصب ونحوها ليست الدليل على العلم.

(١) البخاري، كتاب الجنائز، باب: ثناء الناس على الميت (٢/١٣٢) رقم ١٣٦٧.
(٢) هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ الإمام المفتي، عالم الوقت مفتي المدينة المشهور بربيعة الرأي، كان من أهل الاجتهاد (ت ١٣٦هـ)، سير أعلام النبلاء (٦/٨٩).
(٣) هو الإمام يحيى بن سعيد أبو سعيد القطان توفي (١٩٨هـ)، تهذيب التهذيب ١١/١٦.
(٤) صفة الفتوى والمستفتي لابن حمدان (٧).
(٥) ابن فرحون الديباج ص (٢١).


الصفحة التالية
Icon