وقال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله -: (وما يعقلها) أي: بفهمها وتدبرها وتطبيقها على ما ضربت له، وعقلها في القلب، (إلا العالمون): أي: أهل العلم الحقيقي الذي وصل العلم إلى قلوبهم.
وهذا مدح للأمثال التي يضربها، وحث على تدبرها وتعقلها، ومدح لمن يعقلها، وأنه عنوان على أنه من أهل العلم، فعلم أن من لم يعقلها ليس من العالمين(١).
الدليل الخامس: أن أهل العلم أبصر الناس بالبشر ومداخل الشر، قال تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [النحل: ٢٧].
قال الشيخ العلامة ابن سعدي - رحمه الله -:
﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أي: العلماء الربانيون ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ﴾ أي: يوم القيامة ﴿وَالْسُّوءَ﴾ أي: سوء العذاب ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
وفي هذه فضيلة أهل العلم، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، وأن لقولهم اعتبارا عند الله وعند خلقه(٢).
ويقول سبحانه في سياق قصة قارون: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ....﴾ [القصص: ٨٠].
فأهل العلم هنا كانوا متميزين عن غيرهم، فهم بصراء بالشر وعلماء بالخير، فلما رأوا الناس يتمنون مثل ما أوتي قارون، حذروهم من الشر، وبينوا لهم الخير، وأن الدار الآخرة خير لمن آمن وعمل صالحا.
ولم يعرف هؤلاء الذين تمنوا حظوظ الدنيا أن العلماء على الحق إلا حينما حلت عقوبة الله بقارون عندها: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَن يَّشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَن مَّنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾
[القصص: ٨٢].

(١) تفسير السعدي (٦/٨٩).
(٢) تفسير السعدي (٤/١٩٦)


الصفحة التالية
Icon