إن الطاعة عندنا، واعتبار العلماء في شرعنا ليس مقصودا لذاته، بل لما قام فيهم من العلم بالله والعلم عن الله عز وجل، وليس سؤال العامي إياهم سؤالا عن رأيهم الشخصي، ولا عن حكمهم الذاتي، بل سؤال عما يفهمون عن الله - عز وجل - عن رسوله - ﷺ -.
ولابد أن ننبه إلى أمر عظيم ألا وهو أن بعض المنسوبين إلى الخير والصلاح اليوم يعتبرون للعلماء منزلة وطاعة في بعض جوانب الحياة، ويرون أن هناك جوانب أخرى ليس للعلماء فيها اعتبار، وإنما الاعتبار لغيرهم من المفكرين أو الساسة أو الدعاة أو قادة الجماعات أو غيرهم، وهذا أمر لا شك أنه غير صحيح، لأن العلماء يفهمون السياسة الشرعية، وأمور الجهاد، والهدنة والمصالح والمفاسد وغير ذلك من الأحكام التي تتناول مظاهر الحياة جميعا.
وعلى المختصين في جوانب الحياة من الكوادر الاقتصادية، والسياسية، والطبية، والعسكرية أن يبينوا واقع تخصصاتهم إلى العلماء الربانيين حتى يطبق العلماء الحكم الشرعي على الوقائع المتجددة.
وهناك ملاحظة مهمة، ألا وهي أن العلماء جاء اعتبارهم عن طريق الشرع فإنه لا يرفع هذا الاعتبار إلا الشرع، فإذا قارف العالم عملا أو قال قولا يخرم دينه، ويجعله غير أهل لإمامة الأمة، ولا يستحق أن يكون على رأس قيادتها فإنه يزال عنه اعتبار طاعته وأخذ قوله، وأما إذا كان رفع اعتبار هذا العالم جاء من جهة عدم رضا الناس برأيه أو عزله، أو حسد قرنائه له، فإن ذلك ليس هادما لاعتباره، وإلا لهدمنا اعتبار أئمة الهدى
- من أمثال: أحمد بن حنبل، وابن تيمية، وغيرهما رحمهم الله - الذين مروا بأحوال وأزمان لم يعتبر الناس لهم فيها رأيا حتى أيدهم الله بتأييده(١).

(١) انظر: قواعد في التعامل مع العلماء، ص٦٩.


الصفحة التالية
Icon