ولا يمكن للعوام، بل وصغار العلم فهم القضايا الكلية العامة، وإن كان يمكنهم فهم النصوص الجزئية، وكذلك فهم مقاصد الشريعة لا يكون إلا باستقراء مجمل النصوص وتصرفات الشارع، ففقه المقاصد فقه عزيز، لا يناله كل أحد بل لا يصل إليه إلا من ارتقى في مدارج العلم، واطلع على واقع الحال، وقلب النظر في الاحتمالات التي
يظن حدوثها.
والموازنة بين المصالح والمفاسد تحتاج إلى فهم للشريعة ومقاصدها وفهم للواقع ومراتب المصالح والمفاسد وهذا كله لا يكون إلا للعلماء(١). إن تصدر العامة الذين لا يفهمون كتاب الله وسنة رسوله - ﷺ - يشتت المسلمين ويفرق وحدتهم، لأن العوام لا يتصور اتفاقهم على أمر إذا لم يكن لهم سراة يصدرون عن رأيهم، ولذلك كان الرد إلى أهل الحل والعقد.
إن قيام مسألة الإنكار في الأمور العامة هو على فهم مسألة عظيمة هي، الإمكان وعدم الإمكان، وتحديد هذا الإمكان وعدمه ليس إلى جمهور الناس وعوامهم، بل هو إلى العلماء بشرع الله البصراء بواقع الناس(٢).
فلابد من وضع الثقة بالعلماء الربانيين، فكثير من الناس من يطالب العلماء بعمل من الأعمال هم عنه ممتنعون، وما امتناعهم عنه إلا لنظرهم من مآلات الأمور وعواقبها.
إذ بعض المصالح قد يمتنع عنه لما يؤدي إليه من المآل من المفاسد العظمى، والدين الإسلامي يراعي المصالح، فلا يقر اعتبار مصلحة دنيا على حساب وقوع مفسدة عظمى.
ألا ترى أن قتل المنافق الثابت نفاقه، المعروف باستهزائه بآيات الله وبرسوله - ﷺ -، وبالمؤمنين.. أمر مشروع بل موجب للقتل، وهو الردة ومفارقة الدين؟

(١) انظر: قواعد في التعامل مع العلماء، ص١٢١.
(٢) المصدر نفسه، ص١٢٣.


الصفحة التالية
Icon