فقد امتنع عنه النبي - ﷺ - لما يفضي إليه هذا القتل من المفاسد، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما(١) أنه قال: كنا مع النبي - ﷺ - في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري، يا للمهاجرين، فقال رسول الله - ﷺ -: «ما بال دعوى الجاهلية» قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: «دعوها فإنها منتنة» فسمعها عبد الله بن أبي، فقال: قد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» (٢).
إن النبي - ﷺ - امتنع عن قتل المنافق خشية أن يتحدث الناس أن رسول الله - ﷺ - يقتل أصحابه في وقت كانت الدعوة فيه في طور الانتشار، مما ينفر الناس عن الإيمان برسالة محمد - ﷺ -، وهذا المحظور أعظم من المصلحة المتحققة بقتل هذا المنافق(٣).
إن وضع الثقة في العلماء الربانيين لخطوة مباركة نحو تحكيم شرع الله والتمكين لدينه.
إن القيادة الربانية والتي على رأسها العلماء الذين وصلوا إلى درجة النظر في فقه الإسلام من كتاب الله وسنة رسوله - ﷺ - هم الذين يجب أن يقودوا العمل الإسلامي والدعوة إلى الله.
إن أعداءنا من اليهود والنصارى والملاحدة والعلمانيين أيقنوا أن من أسباب قوة المسلمين التفافهم حول علمائهم وقادتهم، لذلك شنوا هجوما عنيفا من أجل زعزعة ثقة الأمة في علمائها وقادتها، واستعملوا أساليب متنوعة للتشويه والطعن فيهم لأن العلماء هم الوصلة الحقيقية بين الأمة وقرآنها وسنة نبيها - ﷺ -.

(١) هو جابر بن عبد الله الأنصاري السلمي، من أهل بيعة الرضوان، شهد مع النبي - ﷺ - ١٩ غزوة، (ت٧٨هـ) وقيل غير ذلك، انظر: الاستيعاب (٢/١٠٩، ١١٠).
(٢) البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة المنافقين (٦-٧٩) رقم ٤٩٠٧.
(٣) انظر: قواعد في التعامل مع العلماء، ص١٨٠.


الصفحة التالية
Icon