أما اصطلاحًا: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.
يتبين من التعريفات السابقة أن المعنى اللغوي أعم وأشمل من المعنى الشرعي.
ولا شك أن الابتداع في الدين من أعظم أسباب التفرق، بل هو أعظمها وكان من العوامل التي ساهمت في القضاء على وحدة الأمة الإسلامية، وشتتت شملها وحادت بسببه فرق كثيرة عما كان عليه رسول الله - ﷺ - وأصحابه. إن المجتمع المسلم كان متوحدا متآلفا، حتى خرجت البدع على الناس بسمومها وروائحها الكريهة، فقوضت بنيان الأمة، وشتتت شملها، ونخرت في كيانها، كما نخر السوس في الحب، وسرت في جسم الأمة كما يسري السرطان في الدم، أو النار في الهشيم، فلذلك نرى من أسباب التمكين للأمة ووحدة الصف محاربة البدع وذمها وتنفير المسلمين منها، وبيان مضارها وأخطارها وسوء منقلب أهلها.
ولقد سار علماء الأمة على مر العصور، وكر الدهور، وتوالي الأزمان على هذا النهج في محاربة البدعة، وإماتتها، وإظهار السنة وإحيائها.
ومن الأمور التي تظهر خطورة البدعة فيها، ما يصيب الأمة بسببها من العداوة والبغضاء والشحناء.
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: (والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة) (١).
ويقول الدكتور توفيق الواعي: «ومن سمات أهل البدع مفارقة الجماعة وشق عصا الطاعة على جماعة المسلمين، لأن الأهواء نزعات وسبل تفرق الجادة»(٢).
إن البدع أصابت الأمة في وحدة صفها واجتماع شملها وقوة بنيانها، ولقد أرشدنا القرآن الكريم وأرشدتنا السنة النبوية إلى التمسك بحبل الله المتين ونوره المبين وترك البدع والإحداث في الدين.
قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن
سَبِيلِهِ﴾
[الأنعام: ١٥٣].

(١) الاستقامة (١/٤٢).
(٢) البدع والمصالح المرسلة، ص٢١٤.


الصفحة التالية
Icon