ويعتبر اتباع الهوى من أهم الأسباب في نشأة الكثير من الفرق الضالة، والطوائف المنحرفة، لأن أصحاب هذه الفرق قدموا أهواءهم على الشرع أولا، ثم حاولوا جاهدين أن يستدلوا بالشريعة على أهوائهم، وحرفوا النصوص والأدلة لتوافق ما هم عليه من البدع، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، بل اعتمدوا على آرائهم وعقولهم في تقرير ما هم عليه، ثم جعلوا الشريعة مصدرا ثانويا، نظروا فيها بناء على ما قرروه وأصلوه، ولأجل ذلك كان علماء السلف الصالح يطلقون على أهل البدع وفرق الضلالة لفظة «أهل الأهواء»(١)، بل كانوا يطلقونها على كل من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعباد(٢).
ولذلك فكل مخالف لما بعث الله به رسوله - ﷺ - من الأوامر والنواهي، والعبادات، والطاعات إنما يكون متبعا لهواه، ولا يكون متبعًا لدين شرعه الله تبارك وتعالى(٣).
والهوى من الأسباب التي لأجلها خالفت كثير من الأمم أنبياءها فاستكبروا ولم يقبلوا الحق والهدى والنور الذي جاءتهم به أنبياؤهم، عليهم السلام.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [المائدة: ٧٠].
إن الله تعالى ذكر داود عليه السلام وبيَّن في كتابه أسباب المحافظة على التمكين وذكر من ذلك الابتعاد عن الهوى، قال تعالى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٢٦].
(٢) انظر: الفتاوى (٢٨/١٣٣).
(٣) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب، ص٣٦.