قال سيد قطب - رحمه الله -:(ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد - لا زرع فيهن - يأكلن ما قدمتم لهن، وكأن هذه السنوات هي التي تأكل بذاتها كل ما يقدم لها لشدة نهمها وجوعها: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ﴾ أي إلا قليلا مما تحفظونه وتصونونه من التهامها، ثم تنقضي هذه السنوات الشداد العجاف المجدبة، التي تأتي على ما خزنتم وادخرتم من سنوات الخصب، تنقضي ويعقبها عام رخاء، يغاث الناس فيه بالزرع والماء، وتنمو كرومهم فيعصرونها خمرا وسمسمهم وخسهم فيعصرونها زيتًا. وهنا نلحظ أن هذا العام الرخاء لا يقابله رمز في رؤيا الملك فهو إذن من العلم اللدني الذي علمه الله يوسف عليه السلام، فبشر به الساقي ليبشر الملك والناس، بالخلاص من الجدب والجوع بعام رخي رغيد...) (١).
ونلاحظ في الآيات القرآنية الكريمة التي تكلمت عن خطة يوسف عليه السلام عنصر الأمل والتفاؤل، وهذا الأمر مهم في الخطة الناجحة، قال تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: ٤٩].
إن بعد الشدة التي أشار إليها يوسف انفراجا ورخاء، وستعود الأمور بإذن الله تعالى إلى سيرتها الأولى، ولكن بداية العودة تكون عاما مباركا غير معهود العطاء وفرة وكثرة، وكأن الخير فيه سيفيض بغير جهد، فهو عام فيه يغاث الناس أي: يسقون الغيث، أو يغاثون: ينجدون من الغوث، وكل ذلك متلازم، «وفيه يعصرون» إشارة أخرى إلى فيض الخير، فلا يلجأ الناس إلى العصر للثمار إلا بعد أن تفيض عن حاجة الاستهلاك الأساسية وهي الأكل.
ولابد من الأمل والتفاؤل في أي خطة، وإلا فإن كان لا أمل فما الداعي إلى العمل، ولقد حرك يوسف عليه السلام دوافع العمل عندهم بتحذيرهم من شدة سنوات القحط، ثم حركها ثانية بفتح نافذة الأمل(٢).

(١) في ظلال القرآن (٤/١٩٩٤).
(٢) انظر: سورة يوسف دراسة تحليلية، ص٤٢٨.


الصفحة التالية
Icon