وكانت الوسيلة الإعلامية في ذلك العصر تناقل الناس للأخبار مشافهة، وسمع القاصي والداني بنبوة الرسول - ﷺ -، وأصبح هذا الحدث العظيم حدث الناس في كل مكان، وبدأ رسول الله - ﷺ - يشق طريقه لكسر الحصار المفروض على الدعوة، والانتقال بها إلى مواقع جديدة، وسنرى ذلك في عرضه للدعوة على القبائل، والخروج للطائف، وهجرة الحبشة.
لقد كان أولى الناس بتوجيه الدعوة إليهم: قريش وأهل مكة وبالأخص عشيرة النبي - ﷺ - الأقربين فوجه إليهم الدعوة من خلال هذا المنبر العلني، وأنذرهم عذاب الله وبأسه إن لم يؤمنوا (١).
ولكن قريشًا رفضت الاستجابة والانقياد للحق المبين، وكان موقفهم كموقف الأقوام السابقة من رسلهم، فحاربوا الدعوة الجديدة التي عرت واقعهم الجاهلي وعابت آلهتهم وسفهت أحلامهم، أي آراءهم وأفكارهم وتصوراتهم عن الحياة والإنسان والكون، فاتخذوا العديد من الوسائل والمحاولات لإيقاف الدعوة وإسكات صوتها أو تحجيمها وتحديد مجال انتشارها.
لقد فكر النبي - ﷺ - بالخروج بالدعوة من مكة لتحقيق أمور من أهمها:
١- البحث عن موطن يأمن فيه المسلمون على دينهم، ويسلمون من أذى قريش وفتنتها، حيث لا تطالهم يدها، ولا يمتد إليهم بطشها.
٢- البحث عن بيئة تقبل الدعوة، وتستجيب لها، في مقابل عنت القرشيين وكنودهم، ومن هذه البيئة تنطلق إلى آفاق الأرض، تحقيقًا لأمر الله بالتبليغ للعالمين (٢).
فكانت هجرة المسلمين إلى الحبشة، فكانت الأولى في شهر رجب سنة خمس من المبعث، وهم أحد عشر رجلاً وأربع نسوة خرجوا مشاةً إلى البحر فاستأجروا سفينة.
(٢) المصدر السابق، ص١٦٨.