وقد صورت أم سلمه زوج النبي- ﷺ - - وهي ممن هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى - الظروف التي أحاطت بهذه الهجرة فقالت: (لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله - ﷺ - وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله - ﷺ - في منعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله - ﷺ -: «إن بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه» فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا ولم نخش منه ظلمًا) (١).
لقد كانت هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة ذات أبعاد سياسية وإعلامية ودعوية، وكان اختيار النبي - ﷺ - للحبشة في غاية الدقة وبعد النظر؛ لأنه (التفت - ﷺ - إلى ما يحيط به من الداخل والخارج، وما ينتظر دعوته من أخطار، فوجد أن جذورها قد امتدت في أعماق الجزيرة العربية، بين مؤمن قوى الإيمان، وبين كافر معاند شديد الحرص على زعامتها، عظيم الحقد على الدعوة وصاحبها).
وأما خارج الجزيرة، فتوجد إمبراطورية فارس وقد أعماها دخان النار، وإمبراطورية الروم وقد عبدوا الملوك ودنياهم، أما الحبشة فما يزال بها بعض وميض من صدق رسالة عيسى عليه السلام، وأن بها ملكًا لا يُظلم أحد بأرضه (٢).
وهذا يدل على اهتمام رسول الله - ﷺ - بما يدور حوله ومعرفة الدول وطبائعها.
ولقد كانت الهجرة وسيلة من أهم وسائل الإعلام في الإسلام؛ لأن مجرد خروج المسلمين من بلد كانوا فيه منذ النشأة، يخلق تساؤلاً كبيرًا في المجتمع المليء
بالكذب والأراجيف والمتخصص في تشويه أخبار الدين الجديد، وخرجوا وقد تركوا تساؤلاً في أذهان الناس: ما الذي حملهم على ترك أوطانهم وأموالهم وأهليهم؟ إنه
لأمر عظيم.
(٢) انظر: الوفود الإعلامية في العصر المكي لعلى الأسطل، ص(١١١).