﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ [النحل: ١٢٦]، فالعفو عند المقدرة في بعض الأحيان يكون أعمق أثرا وأكثر فائدة من الانتقام والضرب بيد من حديد على يد الظالم يصبح حتميا، لأن فيه دفع الضرر وإعلاما لمن خلفهم ولكل من سولت له نفسه الإضرار بهذه الدعوة وأهلها أن هذا هو المصير الذي ينتظره، والجدير بالذكر أن هاتين القاعدتين (أعني(١)الجهاد والقدوة الحسنة) تمثلان الأسلوب الإعلامي العملي في الإسلام.. وبعد أن أرشدنا القرآن الكريم إلى القواعد الأساسية للأسلوب الإعلامي الناجح الذي تنتهجه في نشر هذه الدعوة الخالدة، أشار إشارة واضحة إلى ما سيلاقيه الرسول - ﷺ - والمسلمون من أساليب إعلامية مضادة شيطانية للقضاء على هذه الرسالة والنيل منها، فحثهم على الصبر في هذا الصراع الإعلامي المرير بين الحق والباطل وأن العاقبة ستكون له وللمؤمنين، والخزي والفشل لأعداء هذا الدين قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ - إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٧، ١٢٨].
ومن الملاحظ أن القرآن الكريم قد انتهج هذا الدستور مع الرسول - ﷺ -، فأول ما نزل من القرآن الكريم هو إعلام الرسول - ﷺ - بحقيقة «قاعدة التصور الإيماني العريض»(٢)، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ - خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ - اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ - الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ - عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١-٥].
«فالله هو الذي خلق وهو الذي علم، فمنه البدء والنشأة، ومنه التعليم والمعرفة.. والإنسان يتعلم ما يتعلم ويعلم ما يعلم.. فمصدر هذا كله هو الله الذي خلق
والذي علم»
(٣).

(١)، (٣) انظر الأسلوب الإعلامي في القرآن الكريم، محمد الطلابي، ص٣٥.
(٢) انظر: الأسلوب الإعلامي في القرآن الكريم، ص٣٥.
(٣) في ظلال القرآن (٦/٣٩٣٩).


الصفحة التالية
Icon