وفي غزوة بدر ترك النبي - ﷺ - دروسًا وعبرًا وحكمًا لجمع المعلومات عن الأعداء وتوظيفها لنزع النصر من المشركين، فنلحظ أن النبي - ﷺ - جمع معلومات متكاملة عن الأعداء، وقام - ﷺ - بالإشراف على جهاز الاستخبارات وساهم بنفسه وبغيره في جمع المعلومات عن مشركي مكة، ويمكن لنا أن نحصر أساليب الاستطلاع التي قام بها النبي - ﷺ - للحصول على المعلومات من مشركي مكة:
- أرسل بسيسة بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء حتى يأتياه بخبر عير أبي سفيان فعادا وأخبراه بموعد وصول العير(١).
- قيامه - ﷺ -، وبصحبته أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بتحري المكان الذي توجد فيه قريش، وقد حصل له ما أراد عندما وقف على شيخ من العرب وسأله عن المكان الذي توجد فيه قريش.
- استنطاق الأسيرين اللذين قبض عليهما الصحابة، واستفاد - ﷺ - من استنطاق هذين الأسيرين أمورا مهمة جدا منها:
- عدد أفراد جيش المشركين، موقع قريش، قيادة جيش المشركين، ومن فيه من أشراف مكة(٢).
وعتم النبي - ﷺ - على المشركين أخبار المسلمين، وقام بأمر الكتمان خير قيام، وكان صفة بارزة له في غزواته كلها، فعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - ﷺ - قلما يريد غزوة إلا ورى بغيرها...) (٣).
وفي غزوة بدر مارس رسول الله - ﷺ - هذا العمل الأمني ليرشد الأجيال على مر العصور وكر الدهور إلى أهميته وتجلي ذلك في الآتي:
- سؤاله - ﷺ - الشيخ الذي لقيه في بدر عن محمد وجيشه وعن قريش وجيشها.
- تورية الرسول - ﷺ - في إجابته عن سؤال الشيخ: «مم أنتما؟» بقوله: «نحن من ماء» وهو جواب يقتضيه المقام، فقد أراد به الرسول - ﷺ - كتمان أخبار جيش المسلمين.
وفي انصرافه فور استجوابه كتمان - أيضا - وهو دليل على ما يتمتع به رسول

(١) مسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد (٣/١٥١٠) رقم ١٥٠١.
(٢) انظر: العبقرية العسكرية، لواء محمد فرج، ص٥٧، ٥٨.
(٣) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة (٣/١٣٨٣) رقم ١٧٦٧.


الصفحة التالية
Icon