وأرسل - ﷺ - طليعة تتابع الأمور على كثب وترسل المعلومات الدقيقة، ولقد كان حفر الخندق مفاجأة مذهلة لأعداء الإسلام وأبطل خطتهم التي رسموها، وكان من عوامل تحقيق هذه المفاجأة ما قام به المسلمون من إتقان رفيع لسرية الخطة وسرعة إنجازها، وكان هذا الأسلوب الجديد في القتال له أثر في إضعاف معنويات الأحزاب وتشتيت قواتهم ومارس - ﷺ - سلاح التشكيك والدعاية لتمزيق ما بين الأحزاب من ثقة وتضامن بعد أن ساق المولى عز وجل نعيم بن مسعود الغطفاني إلى رسول الله - ﷺ - ليعلن إسلامه وقال له: يا رسول الله إن القوم لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال له رسول الله - ﷺ -: إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة.. (١).
فقام نعيم بن مسعود بزرع الشك بين الأطراف المتحالفة بأمر من رسول الله - ﷺ -، فأغرى اليهود بطلب رهائن من قريش لئلا تدعهم وتنصرف عن الحصار، وقال لقريش بأن اليهود إنما تطلب الرهائن لتسليمها للمسلمين ثمنا لعودتها إلى صلحهم، لقد اشتهرت قصة نعيم بن مسعود في كتب السيرة وإن كانت لا تثبت من الناحية الحديثية إلا إنها لا تتنافى مع قواعد السياسة الشرعية فالحرب خدعة(٢). وقد نجحت دعاية نعيم بن مسعود أيما نجاح، فغرست روح التشكيك وعدم الثقة بين قادة الأحزاب، مما أدى إلى كسر شوكتهم وتهبيط عزمهم، وكان من أسباب نجاح مهمة نعيم قيامها على الأسس التالية:
١- أنه أخفى إسلامه عن كل الأطراف، بحيث وثق كل طرف فيما قدمه له من نصح.
٢- أنه ذكَّر بني قريظة بمصير بني قينقاع وبني النضير وبصَّرهم بالمستقبل الذي ينتظرهم إن هم استمروا في حربهم للرسول - ﷺ -. فكان هذا الأساس سببًا في تغيير أفكارهم وقلب مخططاتهم العدوانية.
(٢) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (٢/٥٣٠).