وهكذا يسعى الدعاة إلى توظيف كل الوسائل من الخطبة والمحاضرة والدرس والمناظرة.. إلخ للتعريف بدعوة الإسلام، ولابد لهم من استيعاب فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووسائله وأساليبه والاهتمام بإقامة المنشآت والمؤسسات النافعة التي تجلب الخير للناس وتدفع عنهم الشر. ولابد أن يكون الدعاة الذين يتصدون لتعليم الناس وتعريفهم بدعوة الإسلام قدوة بين الناس، لأن القدوة هي الصورة الحية للفكرة، والتطبيق العملي للدعوة، والتوضيح الجلي للحجة، ولاشك أنها من أعظم أسباب بذر المحبة في القلوب، ووجود القناعة في العقول، وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة ولاسيما العامة وأرباب العلوم القاصرة فإنهم ينتفعون من السيرة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها(١).
ولله در ابن القيم حيث قال: «إن الناس قد أحسنوا القول فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فذاك إنما يوبخ نفسه»(٢).
ولابد من التأكيد على أهمية عنصر القدوة وخطورة انعدامه حيث «يستطيع الإنسان أن يكون عالما جهبذا في الكيمياء أو العلوم أو الطب أو الهندسة أو غير ذلك من العلوم التي أمرنا الله بتعلمها لتعمر الدنيا، ولكن هذه العلوم لا تتطلب منا قيدا سلوكيا، فقد تكون عالما في أي فرع من هذه العلوم وسلوكك تبعا لهواك، ولكن هذا لا يفسد الحقيقة أنك عالم في علمك لأن النبوغ لا يضع قيدا على الأخلاق، إلا علم الدين فإنك إن كنت من علمائه أو الداعين إليه أو المتدينين المخلصين لابد أن تكون قدوة حسنة لما تدعو إليه وإلا لما استمع إليك أحد(٣).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (قال غير واحد من السلف:
الحكمة معرفة الدين والعمل به) (٤).
(٢) الفوائد، ص١٩٢.
(٣) الدعوة قواعد وأصول، جمعة أمين، ص١١١.
(٤) درء تعارض العقل والنقل (٩/٢٢، ٢٣).