يقول ابن القيم - رحمه الله -: «التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة وامتثال أمر سيده، واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، واللجوء إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وعياذ العبد به ولياذه به، وأن لا يتعلق قلبه بغيره محبة وخوفا ورجاء، وفيه أيضا أنه عبد من جميع الوجوه: صغيرًا وكبيرًا، حيًا وميتًا، مطيعًا وعاصيًا، معافى ومبتلى، بالروح والقلب واللسان والجوارح، وفيه أيضا أن مالي ونفسي ملك لك فإن العبد وما يملك لسيده، وفيه أيضًا أنك أنت الذي مننت عليَّ بكل ما أنا فيه من نعمة فذلك كله من إنعامك على عبدك، وفيه أيضًا أني لا أتصرف فيما خولتني من مالي ونفسي إلا بأمرك، كما لا يتصرف العبد إلا بإذن سيده، وإني لا أملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا فإن صح له شهود ذلك فقد قال إني عبدك حقيقة»(١).
ولا يتصور للداعية نجاح وتوفيق، أو تمييز وقبول دون أن يكون حظه من الإيمان عظيمًا «إذ كيف تدعو الناس إلى أحد وصلاتك به واهية ومعرفتك به قليلة»(٢).
وهذه الغاية العظمى تتصل أكثر شيء بأعمال القلوب التي تخفى على الناس ولا يعلمها إلا علام الغيوب، إلا أن آثار ذلك تظهر بوضوح في الأقوال والأفعال، فإن «عكوف القلب على الله تعالى وجمعه عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والانتقال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس، ولا ما يفرح به سواه»(٣).
كل ذلك ينعكس على الداعية فتظهر على شخصيته آثار الإيمان الصحيح المتحرك ومن أبرزها:
١- التحرر من عبودية غير الله:

(١) الفوائد، ص٣٤، ٣٥.
(٢) مع الله، الشيخ محمد الغزالي، ص١٨٨.
(٣) زاد المعاد (٢/٨٧).


الصفحة التالية
Icon