الإيمان قوة عظمى يستعلي بها المؤمن على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا ويصبح حرا لا سلطان لأحد عليه إلا لله، فلا يخاف إلا الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يأمل إلا من الله، ولا يتوكل إلا على الله، وللإيمان تأثير كبير في أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر وهما: الخوف على الرزق، والخوف على الحياة.
أما الأول: فلا يخفى كم أذل الحرص أعناق الرجال، وكم يشغل الناس حب المال، وكم باع أناس مبادئهم، وخانوا أمتهم وتنكروا لماضيهم لما ذهب الذهب بأبصارهم وسبي قلوبهم، أما المؤمن فحقائق الإيمان تملأ قلبه فلا يتأثر بشيء من هذا لأن في قلبه قول الحق جل وعلا: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢].
ولأنه يعلم من بيده الرزق: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [العنكبوت: ١٧] وأنه لا يملك أحد من البشر من ذلك شيئا ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾ [العنكبوت: ١٧]، وفوق ذلك يعلم حقيقة الرزق في الدنيا وقيمته المحدودة ويرتبط بقوله: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١].
وقوله:﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾ [ص: ٥٤].
وحديث المصطفى - ﷺ -: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء» (١).
ومن هذه المنطلقات الإيمانية قال الشافعي - رحمه الله -:

أنا إن عشت لست أعدم قوتًا وإذا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة قهرا(٢)
(١) الترمذي، كتاب الزهد، باب: ما جاء في هوان الدنيا على الله، حديث رقم ٢٣٢٠.
(٢) انظر: مقومات الداعية الناجح، ص٣٦.


الصفحة التالية
Icon