والربيع بن خيثم كان يقاد إلى الصلاة وبه الفالج، فلما روجع في ذلك قال: «إني أسمع حي على الصلاة فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبوا»(١) ولست أدري كيف يكون داعية من يتخلف عن الصلوات في الجماعات سيما في الفجر والعصر والعشاء مع ما ورد في أدائها من تعظيم الأجر، وما جاء في فواتها من التحذير من الإثم والوزر، وقد ترخص كثيرون في ذلك فلا يهمهم التبكير، ولا يعنيهم إدراك التكبير، ولست أدري ما يقول هؤلاء إذا سمعوا مقالة إبراهيم بن زيد التيمي: «إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه»(٢)، وبماذا يعلقون إذا علموا أن سعيد بن عبد العزيز التنوخي «كان إذا فاتته صلاة الجماعة بكى»(٣).
والحقيقة أن الأمر في هذا يطول والتفريط فيه من بعض الدعاة كثير وخطير، ونصوص الكتاب والسنة أشهر من أن تذكر.
والذكر عظيم المنزلة فهو «منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست به القلوب»(٤) والذكر هو العبادة المطلوبة بلا حد ينتهي إليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤١] وبلا وقت تختص به ﴿وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ
لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: ١٣٠] وبلا حال تستثنى منه ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١].
والذاكرون هم السابقون في رياض الجنة يرتعون، وبوصية المصطفى - ﷺ - يعملون، وبمباهاة الملائكة يسعدون(٥).
(٢) نزهة الفضلاء (١/٤٦٨)
(٣) تهذيب مدارج السالكين، ص٤٦٣.
(٤) المصدر نفسه، ص٤٦٣.
(٥) انظر: مقومات الداعية الناجح، ص٤١، ٤٢.