والخلاصة أن التميز الإيماني من أعظم أسباب نجاح الداعية، إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان ولا قوة البرهان ولا كثرة الأعوان، بل هو مع ذلك وقبل ذلك بتوفيق الله الذي يخص به أولياءه، ولا شك «أن الدعاة الذين يكرسون أوقاتهم لله لدفع الناس إلى سبيله، لابد أن يكون شعورهم بالله أعمق، وارتباطهم به أوثق، وشغلهم به أدوم، ورقابتهم له أوضح»(١).
لقد قصر بعض الدعاة والجماعات الإسلامية في العناية بهذا الجانب المهم بسبب تضخيم العناية بالجوانب الفكرية والسياسية وغيرها، والمطلوب التوازن والشمولية وإعطاء كل جانب حقه من الاهتمام.
ثانيا: الرصيد العلمي والزاد الثقافي:
وهذا أساس لابد منه حتى يجد الناس عند الداعية إجابة للتساؤلات، وحلولا للمشكلات، إضافة إلى ذلك هو العدة التي بها يعلم الناس أحكام الشرع، ويبصرهم بحقائق الواقع، وبه أيضا يكون الداعية قادرا على الإقناع وتفنيد الشبهات، ومتقنا في العرض، ومبدعا في التوعية والتوجيه(٢). «وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولابد من كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي»(٣). والخوض في غمار الدعوة وميادينها لابد للداعي من علم وإلا ترتب على ذلك آثار وخيمة لأن «العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح»(٤).
وكما قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: «العلم إمام العمل والعمل تابعه، وهذا ظاهر فإن القصد العمل، والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلا وضلالا واتباعا للهوى»(٥).
(٢) انظر: مقومات الداعية الناجح، ص٤٥.
(٣) مفتاح السعادة (١/١٥٤)
(٤) المصدر نفسه (١/١٣٠).
(٥) مجموع فتاوى ابن تيمية (٢٨/١٣٥، ١٣٦).