وطبيعة مهمة الداعي خطيرة ونظرة الناس إليه، واعتدادهم به، وأخذهم عنه يجعل أمر العلم «أشد ضرورة للداعي إلى الله لأن ما يقوم به من الدين منسوب إلى رب العالمين، فيجب أن يكون الداعي على بصيرة وعلم بما يدعو إليه، وبشرعية ما يقوله ويفعله ويتركه، فإذا فقد العلم المطلوب اللازم له كان جاهلا بما يريده، ووقع في الخبط والخلط والقول على الله ورسوله بغير علم، فيكون ضرره أكثر من إصلاحه، وقد يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف لجهله بما أحله الشرع وأوجبه وبما منعه وحرمه »(١).
ولابد للداعية أن يوقن أن «العلم أشرف ما رغب فيه الراغب وأفضل ما طلب، وجد فيه الطالب، وأنفع ما كسب واقتناه الكاسب»(٢).
والآخذ بالعلم آخذ بالبداية الصحيحة إذ العلم مقدم على القول والعمل، كما قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ [محمد: ١٩].
وبالعلم يحوز الداعية الرفعة في الميزان الرباني وفق قوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١].
والسعي في طلب العلم تحقيق للغاية التي أرادها الله ووجه إليها في قوله: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾
[التوبة: ١٢٢].
فقد جعل الله الأمة فرقتين «أوجب على إحداهما الجهاد في سبيله وعلى الأخرى التفقه في دينه، لئلا ينقطع جميعهم عن الجهاد فتندرس الشريعة، ولا يتوفروا على طلب العلم فتغلب الكفار على الملة، فحرس بيضة الإسلام بالمجاهدين، وحفظ شريعة

(١) أصول الدعوة، د. عبد الكريم زيدان، ص١٣٥.
(٢) أدب الدنيا والدين للماوردي، ص٤٠


الصفحة التالية
Icon