وقد أحسن صاحب الظلال في توضيح هذا الأسلوب حيث قال: «عرَّف إبراهيم بالصفة التي لا يمكن أن يشاركه فيها أحد، ولا يمكن أن يزعمها أحد... وهذا الملك يسأله عمن يدين له بالربوبية، ويراه مصدر الحكم والتشريع وغيره، قال ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ فهو من ثم الذي يحكم ويشرع، ثم قال تعليقا على قوله تعالى: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ لم يرد إبراهيم عليه السلام أن يسترسل معه في جدل حول معنى الإحياء والإماتة مع رجل يماري ويداور في تلك الحقيقة الهائلة، حقيقة منح الحياة وسلبها، هذا السر الذي لم تدرك منه البشرية حتى اليوم شيئا، وعندئذ عدل عن هذه السنة الكونية الحقيقية إلى سنة أخرى ظاهرة مرئية، وعدل عن طريقة العرض المجرد للسنة الكونية والصفة الإلهية في قوله: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ إلى طريقة التحدي، وطلب تغيير سنة الله لمن ينكر وتنعت ويجادل في الله »(١).
وعلق بمثل قوله السعدي في تفسيره فقال: «فلما رآه الخليل مموها تمويها ربما راج على الهمج والرعاع قال إبراهيم ملزما بتصديق قوله: إن كان كما يزعم ﴿فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ...﴾ الآية فأتى (أي إبراهيم) بهذا الذي لا يقبل الترويج والتزوير والتمويه»(٢).
ولا ريب أن الداعية مطالب بتفهم هذه الأساليب والإفادة منها ليكتسب فطنة تساعده على تقرير المسائل وإقامة الحجة وسرعة البديهة.
ولقد كان لأئمة الدعاة أقوال ومواقف دلت على رجاحة عقولهم وقوة حجتهم، فهذا القاضي أبو بكر الباقلاني سأله بعض النصارى بحضرة ملكهم فقال: ما فعلت زوجة نبيكم؟ وما كان من أمرها بما رميت من الإفك؟ فقال الباقلاني على البديهة: هما امرأتان ذكرتا بسوء، مريم وعائشة فبرأهما الله عز وجل، وكانت عائشة ذات زوج ولم تأت بولد، وأتت مريم بولد ولم يكن لها زوج(٣).
(٢) تفسير السعدي (١/٣٢٠).
(٣) البداية والنهاية (٩/١٣٥).