فكان هذا الجواب في غاية الروعة والإفحام، لأن ذلك الخبيث أراد التعريض والإحراج بقصة حادثة الإفك التي اتهمت فيها عائشة رضي الله عنها، فأجاب الباقلاني بأن هذه فرية برأها الله منها ولكنه قرن ذلك بذكر مريم، ليشير إلى أن براءة عائشة عقلا أولى، لأن لو تطرق إلى العقل احتمال الريبة فهو في حق مريم أعظم، فإن قبلتم أيها النصارى براءتها فيلزمكم قبول براءة عائشة من باب أولى(١).
رابعًا: رحابة الصدر وسماحة النفس:
إن الداعية الرباني في العادة يتحلى برحابة الصدر وسماحة النفس ليستوعب الناس ويستميلهم للخير والحق، «فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ويحل همومهم ولا يعنيهم بهمه ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا»(٢).
وهكذا كان قلب رسول الله - ﷺ -، وهكذا كانت حياته مع الناس «ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئا من أغراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منه عاشره، أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه - ﷺ - من نفسه الكبيرة والرحيبة»(٣).
إن هذه الأخلاق مهمة في تكوين الداعية يحتاج أن يجتهد في اكتسابها لأنها وقود محرك له في دعوته كما أنها ترفع كفاءة القبول، وتكبح جماح الانفعالات النفسية ذات الآثار السلبية، وتتجلى هذه الأخلاق في عدد من الصفات توضحها وتبين أثرها
ومن أهمها:
أ- الرحمة والشفقة:

(١) انظر: مقومات الداعية الناجح، ص٧٠.
(٢)، (٤) في ظلال القرآن (١/٥٠٠ – ٥٠١).
(٣) في ظلال القرآن (١/٥٠٠ – ٥٠١).


الصفحة التالية
Icon