«إن الداعي لابد أن يكون ذا قلب ينبض بالرحمة والشفقة على الناس، وإرادة الخير لهم والنصح لهم، ومن شفقته عليهم دعوتهم إلى الإسلام، لأن في هذه الدعوة نجاتهم من النار وفوزهم برضوان الله تعالى، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وأعظم ما يحبه لنفسه الإيمان والهدى فهو يحب ذلك إليهم»(١).
وهذا الشعور الغامر بالشفقة على الناس يبعث في النفس الحزن والأسى على حال المعرضين والعاصين، ويتولد إثر ذلك قوة نفسية دافعة لاستنقاذهم من الخطر المحدق بهم، والهلاك القادمين إليه، وما أبلغ وأدق النص القرآني في بيان هذه الصفة عند الرسول الكريم - ﷺ -: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦].
تأمل هذه الآيات فإنه: «من فرط شفقته - ﷺ - داخله الحزن لامتناعهم عن الإيمان، فهون الله سبحانه عليه الحال، بما يشبه العتاب في الظاهر كأنه قال له: لِمَ كل هذا؟ ليس في امتناعهم - في عدنا - أثر، ولا في الدين من ذلك ضرر(٢).
فالرحمة - كما ترى - باعث دافع ومحرك للدعوة استنقاذا للناس من الهلاك، وهي في الوقت نفسه عامل استمرار واطراد وتوسيع لدائرة الاستيعاب والتأثير رغم الصد والإعراض(٣).
ب- الحلم والأناة:
إن الحلم: «فضيلة خلقية نافعة.. تقع في قمة عالية دونها منحدرات، فهو أناة حكيمة بين التسرع والإهمال أو التواني، وضبط للنفس بين الغضب وبلادة الطبع، ورزانة بين الطيش وجمود الإحساس»(٤).
(٢) لطائف الإشارات للقشيري (١/٣٧٧).
(٣) الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن حبنكة (٢/٣٢٥).
(٤)، (٢)الأخلاق الإسلامية (٢/٣٥٣).