والأناة عند الداعية إلى الله تعالى «تسمح له بأن يحكم أموره، ويضع الأشياء في مواضعها، بخلاف العجلة فإنها تعرضه للكثير من الأخطاء، والإخفاق، وتعرضه للتعثر والارتباك، ثم تعرضه للتخلف من حيث يريد السبق، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، وبخلاف التباطؤ والكسل فهو أيضا يعرض للتخلف والحرمان من تحقق النتائج التي يرجوها»(١)، وقد امتدح النبي - ﷺ - الأشج فقال: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة» (٢).
ومن الأمثلة من سيرة النبي - ﷺ - ما رواه أنس بن مالك حيث قال: «جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم النبي - ﷺ -، فلما قضى بوله أمر النبي - ﷺ - بذنوب ماء أهريق عليه»(٣).
لقد كانت مواقف النبي - ﷺ - التي تبين حلمه كثيرة جدا.
جـ- العفو والصفح:
ومن مستلزمات الحلم الذي فيه كظم للغيظ وضبط للغضب، ثم الأناة التي فيها تبصر بالأمور وتأن في التصرف مع الاستناد للرحمة بالجاهلين، كل ذلك يثمر العفو والصفح «لأن القلوب الكبيرة قلما تستجيشها دوافع القسوة فهي أبدا إلى الصفح والحنان أدنى منها إلى الحفيظة والأضغان»(٤). وما دام الداعي المسلم ينظر إلى من يدعوه نظرة الرحمة والشفقة عليهم فإنه يعفو ويصفح عنهم في حق نفسه، قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩].
فإذا كان هذا هو شأن الداعي المسلم بالنسبة لمن يدعوهم ويحتمل صدور الأذى منهم فإن عفو الداعي وصفحه عن أصحابه أوسع، قال تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩].

(١) الأخلاق الإسلامية (٢/٣٥٣).
(٢) مسلم، كتاب الإيمان، باب: الأمر بالإيمان بالله ورسوله (١/٤٨).
(٣) البخاري، كتاب الطهارة، باب: صب الماء على البول في المسجد (الفتح) (١/٣٢٤).
(٤) خلق المسلم، ص٢٠٤.


الصفحة التالية
Icon