وعندما وقعت حادثة الإفك، كان وقعها على آل أبي بكر شديدا فلما نزلت البراءة حلف أبو بكر - رضي الله عنه - ألا ينفق على مسطح بن أثاثة، فأنزل الله في ذلك قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢]. فصفح الصديق وعفا واستمر في نفقته على مسطح.
إن رحابة الصدر وسماحة النفس تتضمن الرحمة التي تدعو إلى الحلم الذي يقود إلى العفو، فيكون من وراء ذلك التأثير التلقائي لأن الإنسان يتأثر بالإحسان ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤].
وهذا أمر مشاهد حيث نرى أن من كان سمح النفس يستطيع «أن يظفر بأكبر قسط من محبة الناس له، وثقة الناس به، لأنه يعاملهم بالسماحة والبشر ولين الجانب، والتغاضي عن السيئات والنقائص، فإذا دعاه الواجب إلى تقديم النصح كان في نصحه رقيقا لينا، سمحا، يسر بالنصيحة ولا يريد الفضيحة، يسد الثغرات ولا ينشر الزلات والعثرات»(١).
هذه يعض العدة التي لابد منها للدعاة الذين يتصدرون الناس لدعوتهم إلى الإسلام.
المراعاة والتدرج في الإسلام:
إن المراعاة والتدرج لازمان للتغيير وحصول الاستجابة، لأن تغيير النفوس وإزاحتها عن مألوفاتها، ونقلها من ميولها أمر ليس سهلا، كما أن تغيير الأعراف التي تجذرت في النفوس، واستقرت في العقول وتواطأ الناس عليها لا تتغير بأمر يصدر أو دعوة توجه، ولذلك لابد في الدعاة من مراعاة الطبائع والأفهام، والمقاصد والنيات، والأحوال الخاصة، والأعراف والعوائد العامة، والأولويات، والمصالح والمفاسد، والأوقات عندما يتصدرون لدعوة الناس وتعريفهم بالإسلام.