المبحث الثاني : مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة
إن رسل الله الكرام عليهم أفضل الصلوات والسلام عندما بلغوا رسالات الله إلى أقوامهم، اختاروا من الناس من استجاب لدعوتهم وغرسوا في نفوسهم المعاني الإيمانية والأخلاق الربانية حتى يستطيعوا أن يحملوا معهم دعوة الله إلى الناس، فهذا رسول الله موسى قام بهذه المهمة الشاقة، وذاك رسول الله عيسى الذي اختار أنصاره الحواريين الذين حملوا دعوته ورسالته من بعده، وإن كان بعضهم انحرف عن المنهج الرباني الصحيح، ومن سيرة النبي - ﷺ - نرى أن هذه المرحلة واضحة المعالم في اختيار العناصر التي لها استعداد لتحمل تكاليف ومشاق ومصاعب الدعوة إلى الله.
وقد اهتم كثير من الدعاة إلى الله بهذه المرحلة وأعطوها اهتماما خاصا على مر العصور، وكر الدهور، ولا زال المهتمون بأمر الدعوة والذين يسعون لتطبيق شرع الله تعالى يعطون هذه المرحلة أوقاتهم وجهدهم، ولقد أرشد القرآن الكريم الأمة إلى الاهتمام بالإعداد في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ...﴾ [الأنفال: ٦٠].
إن الإعداد في الآية الكريمة كلمة عامة تبدأ بالإعداد النفسي، وتنتهي بكل أنواع الإعداد المادية التي قد تحتاج إليها المعركة، والمسلم في هذه المرحلة بالذات عليه أن يعد نفسه للقاء أعداء الله، فيأخذ نفسه بكل أسباب القوة، ويحول بينه وبين أي سبب من أسباب الضعف، ويعيش منتظرا ذلك اليوم الذي يجاهد فيه في سبيل الله، ويقاتل أعداءه، ويسعى لإزالة الحواجز التي تمنع دخول الناس في الإسلام، وتمنع تحكيم شرع الرحمن(١).
إن مرحلة اختيار العناصر اللازمة لتحمل الدعوة وتربيتهم على الكتاب والسنة
من أهم المراحل في تمكين دين الله، كما أن أهدافها أكثر دقة من أهداف المرحلة
التي قبلها.

(١) انظر: فقه الدعوة إلى الله، د. علي عبد الحليم (١/٤٤٧).


الصفحة التالية
Icon