إن النبي - ﷺ - هو أسوتنا وقدوتنا، وإمام الدعاة إلى الله، فقد سلك مسلكًا عظيمًا في سياسته الحكيمة فكان له عظيم النفع والأثر في نجاح دعوته، وإنشاء دولته، وقوة سلطانه، ورفعة مقامه، ولم يعرف في تاريخ السياسات البشرية أن رجلا من الساسة المصلحين في أي أمة من الأمم كان له مثل هذا الأثر العظيم، ومَن من المصلحين المبرزين - سواء كان قائدا محنكا، أو مربيا حكيما - اجتمع لديه من رجاحة العقل، وأصالة الرأي، وقوة العزم، وصدق الفراسة ما اجتمع في رسول الله - ﷺ -؟ ولقد برهن على وجود ذلك فيه، صحة رأيه، وصواب تدبيره، وحسن تأليفه، ومكارم أخلاقه - ﷺ -(١).
وأهم الطرق في السياسة الحكيمة في الدعوة إلى الله كثيرة منها ما يأتي:
١- تحري أوقات الفراغ، والنشاط، والحاجة عند المدعوين:
حتى لا يملوا عن الاستماع ويفوتهم من الإرشاد والتعليم النافع، والنصائح الغالية الشيء الكثير، وقد ثبت عن النبي - ﷺ - أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة كراهة السآمة عليهم، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - ﷺ - يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا»(٢).
ولهذا طبق الصحابة هذه السياسة، فقد كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: «أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي - ﷺ - يتخولنا بها مخافة السآمة علينا»(٣).
وقد ثبت عنه - ﷺ - أنه قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا» (٤).
٢- أن يحرص على سلاح التأليف بالعفو عند المقدرة:

(١) انظر: هداية المرشدين، للشيخ علي بن محفوظ، ص٢٤، ٣١.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب العلم، باب: من خص بالعلم قومًا دون قوم (١/٢٢٥).
(٣) البخاري كتاب العلم، باب: كان النبي يتخولهم بالموعظة (١/٣).
(٤) المصدر نفسه (١/٣) رقم ٦٩.


الصفحة التالية
Icon