والمؤمنون هم حزب الله وجنوده - ولله المثل الأعلى - والمعركة التي يعدهم من أجلها هي المعركة العظمى، معركة الحق والباطل، والنتيجة المطلوبة من المعركة ليست مجرد النصر، وإنما هي بعد ذلك إقرار المنهج الرباني في الأرض بكل المعاني والقيم التي يحملها ذلك المنهج، وهي الأمانة التي تعرض لحملها الإنسان بقدر الله.
وحمل الأمانة - بعد الانتصار على الباطل - لا يصلح له كل الناس، إنما يحتاج لقوم مختارين، يعدون إعدادا خاصا ليحسنوا القيام به(١).
وقد علم الله تعالى أن الابتلاء هو وسيلة الإعداد لهذه المهمة العظيمة، وفي قصة طالوت شاهد على ذلك(٢)؛ فطالوت كان مقدما على معركة ومعه جيش من أمة مغلوبة، عرفت الهزيمة في تاريخها مرة بعد مرة، وهو يواجه أمة غالبة، فلابد إذًا من قوة كامنة في ضمير الجيش تقف أمام القوى الظاهرة الغالبة، هذه القوة الكامنة لا تكون إلا في الإرادة التي تضبط الشهوات والنزوات، وتصمد للحرمان والمشاق، وتستعلي على الضرورات والحاجات، وتؤثر الطاعة وتحتمل تكاليفها، فتجتاز الابتلاء بعد الابتلاء. فلابد للقائد إذًا أن يبلو جيشه وصموده وصبره، صموده أولاً للرغبات والشهوات وصبره ثانيًا على الحرمان والمتاعب. ولقد اختار طالوت هذه التجربة وهم عطاش ليعلم من يصبر معه ممن ينقلب على عقبيه(٣).

(١) انظر: حول التفسير الإسلامي للتاريخ لمحمد قطب، ص١١١، ١١٢.
(٢) انظر: التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم، ص٢٣٥.
(٣) انظر: في ظلال القرآن (١/٢٦٨).


الصفحة التالية
Icon