بهذا الموقف الإيماني الثابت رجع كيدهم في نحورهم، وثبتت قضية من أخطر قضايا العقيدة الإسلامية وهي خلوص العقيدة من أي شائبة غريبة عنها سواء في جوهرها أم في الوسيلة الموصلة إليها(١).
٤- مطالب التحدي: أخذ عناد المشركين يقوى ولجاجتهم تشتد، وقد أرادوا إحراج الرسول - ﷺ - وتحديه بمطالبته بالإتيان بمعجزات تثبت نبوته.
قال عبد الله بن عباس: قالت قريش للنبي: ادع لنا ربك أن يجعل الصفا ذهبًا ونؤمن بك، قال: «وتفعلون؟» قالوا: نعم، قال: فدعا فأتاه جبريل فقال: «إن ربك عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة» قال: «بل باب التوبة والرحمة» (٢).
قال ابن عباس: «فأنزل الله عز وجل هذه الآية: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ [الإسراء: ٢٩]».
لقد كان الهدف من تلك المطالب هو شن حرب إعلامية ضد الدعوة والداعية وتآمرًا على الحق كي تبتعد القبائل العربية عنه - ﷺ -، لأنهم يطالبون بأمور يدركون أنها ليست من طبيعة هذه الدعوة ولهذا أصروا عليها، بل لقد صرحوا بأن لو تحقق شيء من ذلك فلن يؤمنوا أيضا بهذه الدعوة، وهذا كله محاولة منهم لإظهار عجز الرسول - ﷺ - واتخاذ ذلك ذريعة لمنع الناس عن اتباعه(٣)، وسيتضح هذا في المحاولات القادمة.
(٢) السيرة النبوية لابن كثير (١/٤٨٣) إسناده جيد.
(٣) الوفود في العهد المكي، ص٤٠- ٥١.