٥- المساومة لاقتسام العبادة والزعامة، وهي محاولة لإخماد صوت الدعوة بالاتفاق معا على حل وسط حتى يضمنوا بقاء مكانتهم أمام القبائل الأخرى، ومنعها أيضا من الدخول في هذا الدين الجديد، وهي محاولة ماكرة لأن السير في ركاب الباطل خطوة واحدة معنى هذا سقوط صاحب الحق في هاوية الانحراف ونزلت سورة الكافرون «للمفاضلة الحاسمة بين عبادة وعبادة، ومنهج ومنهج، وتصور وتصور، وطريق وطريق، نعم نزلت نفيًا بعد نفي، وجزمًا بعد جزم، وتوكيدًا بعد توكيد، بأنه لا لقاء بين الحق والباطل، ولا اجتماع بين النور والظلام، والأمر لا يحتاج إلى مداهنة أو مراوغة أو مصالح مشتركة أو مسائل داخلية... إلخ»(١).
٦- الاستعانة باليهود: لقد وجدت قريش نفسها عاجزة أمام دعوة الحق، وكان المعبر عن هذا العجز النضر بن الحارث الذي صرخ قائلا: «يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد.. فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم»(٢).
فقرروا بعد ذلك إرسال النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى اليهود لمعرفة حقيقة هذه الدعوة لا لكي يتبعوها ولكن لإدراكها أن رسول الله - ﷺ - لم يجب على مطالبهم التي طلبوها، ولمعرفتهم بحقد اليهود المنصب على الأنبياء جميعا وأصحاب الحق أينما كانوا ومعرفتهم بأخبار الأولين، فقد يمدونهم بأشياء تظهر عجز الرسول - ﷺ - فيحققوا بذلك هدفهم الدعائي أمام القبائل العربية، ولم يدروا بسلوكهم هذا أنهم نقلوا أخبار الدعوة الإسلامية إلى خارج مكة مهما كان غرضهم وهدفهم، وبالرغم من فرحة قريش بالأمور التعجيزية التي أتوا بها من عند يهود إلا أن الله أحبط محاولتهم بالإجابة عليها كما جاء في سورة الكهف عن أهل الكهف وذي القرنين ثم عن الروح في سورة الإسراء، فأقيمت الحجة على الملأ من قريش وزعماء اليهود(٣).

(١) انظر: الوفود في العهد المكي، ، ص٥٨- ٦١.
(٢) انظر: تاريخ صدر الإسلام، ص٤٠.
(٣) المصدر نفسه، ص٤١.


الصفحة التالية
Icon