وفي هذه المرحلة تكون الجماعة الإسلامية القائمة على أمر الدعوة الإسلامية قد اقتفت سنة الأنبياء والرسل في دعوة الأمم، فحرصت على غرس الإيمان في النفوس وتوطيد العقيدة في القلوب، ففي الحرص على هذا الأصل العظيم سعادة للناس في الدنيا والآخرة، قال سيد قطب - رحمه الله -: «ظل القرآن المكي ينزل على رسول الله - ﷺ - ثلاثة عشر عاما كاملة يحدثه فيها عن قضية واحدة لا تتغير، ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر، لقد كان يعالج القضية الأولى، والقضية الكبرى، والقضية الأساسية في هذا الدين الجديد، قضية العقيدة، ممثلة في قاعدتها الرئيسية: الألوهية والعبودية وما بينهما من علاقة.. ولم يتجاوز القرآن المكي هذه القضية الأساسية إلى شيء يقوم عليها من التعريفات المتعلقة بنظام الحياة إلا بعد أن علم الله أنها قد استوفت ما تستحقه من البيان، وأنها استقرت استقرارًا متينًا ثابتًا في قلوب العصبة المختارة من بني الإنسان التي قدر الله أن يقوم هذا الدين عليها، وأن تتولى هي إنشاء النظام الواقعي الذي يتمثل فيه هذا الدين»(١)، إن الاهتمام بالجانب العقدي والمفهوم الإيماني وتربية الأمة عليه ينبغي أن يستمر إلى أن يلقى الله عز وجل، فإنه مهما بلغ الإنسان من الإيمان فإنه لا يستغنى عن التذكير به والازدياد منه، ولابد من إعداد القاعدة الصلبة التي تلتحم مع الجماهير وتتحرك نحو تطبيق شرع الله، والتمكين لدينه سبحانه وتعالى، قال سيد قطب رحمه الله وهو يقرر ضرورة إعداد هذه القاعدة: «لقد كان الله سبحانه يعلم أن هذا المنهج...» ثم تكلم عن سنة الابتلاء، ثم قال: «فالتوسع الأفقي قبل قيام هذه القاعدة خطر ماحق يهدد وجود أية حركة لا تسلك طريق الدعوة الأولى من هذه الناحية ولا تراعي طبيعة المنهج الحركي الرباني النبوي الذي سارت عليه الجماعة»(٢).

(١) معالم في الطريق، ص(٢٠، ٢١).
(٢) في ظلال القرآن (١/١٥٧٧).


الصفحة التالية
Icon