والمعيار في ذلك أشارت إليه الآيات والأحاديث هو مقادير التضحية التي يقدمها المؤمن في سبيل الله تعالى، فمن كان أشد تضحية كان أفضل عند الله عز وجل وأثقل في ميزانه سبحانه لدلالته على قوة الإيمان بالله، وشدة الثقة بما عنده. ولاشك في أن التضحية بالنفس هي أعلى أنواع التضحية وأكرمها عند الباري تبارك وتعالى، إذ أثمن ما يملك العبد نفسه، وهي أصل كل ثمين، ومرجع كل لذة في هذه الحياة الدنيا، فمن ضحى بها فقد بذل كل ما يملك، ولم يستبق لنفسه شيئا، وإنما قدمها في سبيل ربه، فإن كانت نيته خالصة لله تعالى، كان أكرم الشهداء عند رب العباد، ولذلك قال تعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٥]. وقال عز وجل: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [التوبة: ١٩، ٢٠].
ولذلك فضَّل رسول الله - ﷺ - الجهاد بالنفس على الحج، وجعله بعد الإيمان(١)، ففي الصحيحين عن النبي - ﷺ - أنه سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله، ثم جهاد في سبيله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «ثم حج مبرور» (٢).

(١) فتح القدير للشوكاني (٤/٢٧٧).
(٢) البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور (٢/١٧٢) رقم ١٥١٩.


الصفحة التالية
Icon