وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: «رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطًا مات مجاهدًا، وأجرى عليه رزقه من الجنة وأمن الفتان»(١)، ولذلك أجمع العلماء على أن المقام في ثغور المسلمين أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة، لأن الرباط هو في الواقع، نوع من التضحية بالنفس أو الاستعداد لها(٢).
إن مرحلة المغالبة لابد لأفرادها أن يكونوا قد استوعبوا مفهوم الجهاد بعمومه وأن تكون كافة الكوادر في جميع المجالات مستعدة للتحرك نحو تولي أمور الحكم وتحكيم شرع الله تعالى، والتمكين لدينه.
إن حركة المسلمين في مرحلة المغالبة تهز عروش الطغاة، وكلما قطعت الدعوة مرحلة من مراحلها ازداد فزع الظلمة واقتربت نهاية الأحكام الجاهلية.
إن سهام الدعاة موجهة إلى أسس تقوم عليها عروش الطغاة، ومن أهم هذه الأسس التي تسعى الدعوة إلى نزعها:
١- نزع مقاليد الحكم من أيديهم:
حتى تقف رغباتهم وأهواؤهم التي يمضونها بواسطة القوة والسلاح ويعذبون الناس، بل يقتلونهم من أجل أهوائهم، وكفرهم كما فعل فرعون مع السحرة، قال تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى - قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧٠، ٧١].
فلو لم تكن مقاليد الحكم بيد فرعون ما كان ليقدم على هذا الفعل الشنيع، وهكذا كل الفراعنة لولا أن القوة بأيديهم ما استطاعوا أن يفرضوا باطلهم ويمنعوا الناس
من الحق.
(٢) انظر: الجهاد ميادينه وأساليبه، د. محمد ياسين، ص٢٣٨.