المبحث الثاني : قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون
قال تعالى:﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ - وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ﴾
[القصص: ٥، ٦].
لقد تطاول فرعون وعلا وأسرف في الأرض وأذل بنى إسرائيل، فقتل الأولاد واستحيا النساء ظلمًا وعلوًا واستكبارًا في الأرض، وأراد الله بحكمته ومشيئته وقدرته أن يمن على بنى إسرائيل ويجعلهم ملوكًا وولاة ويجعلهم يرثون الأرض من بعد فرعون، ويمكن لهم بعد الذل والصغار، وينتقم من فرعون وهامان وجنودهما ويريهم ما كانوا يخافون من زوال ملكهم على رجل من بنى إسرائيل (١).
وقال الإمام ابن كثير (٢) في تفسيره: (لقد سلط على بنى إسرائيل هذا الملك الجبار العتيد (فرعون) يستعملهم في أخس الأعمال، ويكدهم ليلاً ونهارًا في أشغال رعيته ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيى نساءهم إهانة لهم واحتقارًا لهم، وخوفًا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه، وكانت القبط قد تلقوا هذا من بنى إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل عليه السلام حين ورد الديار المصرية وجرى له مع جبارها ما جرى حين أخذ سارة ليتخدها جارية فصانها الله منه ومنعه منها بقدرته وسلطانه، فبشر إبراهيم عليه السلام ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك مصر على يديه، فكانت القبط تحدث بهذا عند فرعون فاحترز فرعون من ذلك وأمر بقتل ذكور بنى إسرائيل، ولن ينفع حذر من قدر، لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولكل أجل كتاب.

(١) انظر: تفسير الطبري (١١/٢٨، ٢٩).
(٢) هو الحافظ المؤرخ الفقيه المفسر إسماعيل بن عمر بن كثير بن درع القرشي الدمشقي أبو الفداء، ولد سنة ٧٠١هـ، طلب العلم من صغره ورحل من أجله، توفى في دمشق سنة ٧٧٤هـ. انظر: شذرات الذهب (٦/٢٣١).


الصفحة التالية
Icon