وهذه إشارة قرآنية في قوله:﴿قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ١١]، إلى الأخذ بالأسباب والحذر والاهتمام بالتربية الأمنية العالية خصوصًا للأمة التي تسعي للتخلص من الظلم والجبروت وكبرياء المتسلطين، بل إن من أسباب نجاح الحركات التي تعمل لتحرير شعوبها من أغلال الحكام الظالمين نجاحها في الجوانب الأمنية، ونرى من خلال الآيات الكريمة: أن الأمة المستضعفة، ولو بلغت من الضعف ما بلغت، لا ينبغي أن يستولى عليها الكسل عن السعي في حقوقها، ولا اليأس من الارتقاء إلى أعلى الأمور، خصوصًا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ الله أمة بنى إسرائيل على ضعفها واستعبادها لفرعون وملئهم منهم، ومكنهم في الأرض وملكهم بلادهم (١).
وكان من إعداد الله تعالى لموسى عليه السلام أن تربي في قصر فرعون بين مظاهر الترف ومباهج الملك والسلطان، نشأ كما ينشأ أبناء الملوك، وهكذا زالت من قلب موسى مهابة الملوك والأغنياء، ولم يخف على موسى أنه دخيل على أهل فرعون وأنه يرجع في أصله الحقيقي إلى يعقوب عليه السلام، فعندما بلغ أشده واستوى أكرمه الله بالحكمة والعلم، لكونه من المحسنين، وذات يوم عند الظهيرة وجد رجلين يقتتلان أحدهما من قومه والآخر من قوم فرعون، فطلب الإسرائيلي من موسى نصرته فتدخل موسى فوكز المصري فقضى عليه، وهذا يدل على قوة موسى عليه السلام وشدة غضبه، ويعبّر أيضًا عما كان في نفسه من شعور بالضيق والظلم من فرعون وقومه؛ ولكن موسى عليه السلام لم يقصد قتل القبطي ولذلك ندم واسترجع وعزاها إلى الشيطان وغوايته.

(١) انظر: تفسير السعدي (٨/٣٦٧، ٣٦٨).


الصفحة التالية
Icon